عادات الزواج التي ارهقتنا




بقلم ناجح ناجي حسن


قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ  (الحجرات 13)

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم 21)

الزواج في الأردن هو شيء خيالي وصعب ومكلف. انها الجملة الأولى التي يرددها أي شاب او عائلته عند التفكير في الزواج ليكمل نصف دينه كما نقول دوما. لكن لأسف هذه الامر خرج من بوتقة الزواج لأجل الزواج ليتحول إلى الزواج لأجل المنظرة والتكاليف والبذخ. حيث ارتبط الزواد بعادات عفا عليها الزمن وأكل، فلا نحن بقينا على عاداتنا السابقة كلها ولا نحن انتقلنا للعادات الحديثة في الزواج، بل أصبحنا كذلك الطير الذي أراد ان يقلد مشية الحمامة، فلا أتقنها ولا استطاع أن يعود لمشيته التي تربى عليها.
في الأردن، أظهرت مؤشرات صادرة عن دائرة قاضي القضاة، انخفاضا في معدل حالات الزواج للعام الماضي إلى 77700 حالة بنسبة وصلت إلى 7.7 بالمائة من عدد السكان، مقارنة مع العام 2016 الذي شهد 81343 حالة زواج.

ولست بصدد الحديث عن تلك العادات التي أصبحت عبئا ماليا وعائليا على الشاب قبل الفتاه، حيث ان الزواج في الذهنية الأردنية يرتبط بتحمل الشاب كافة المصاريف التي المالية التي تفكر بها تلك الفتاة التي تَعرف اليها حديثا بحكم أن العادات تفرض على الشاب كل ذلك.

لن اتحدث عن فنجان القهوة الذي تأتي الفتاة لتقديمه وهي خجلة من امام أهلها، علما انها في اغلب الأوقات تعرف الشاب جيدا سواء بالعمل او الجامعة او غيره. والتي لا اعلم لها  أصلا ولا جذر عاداتنا.

ولن اتحدث عن تلك المطالب المالية التي تطلبها الفتاة وأهلها للزواج لان كل اخواتها تم كتابة هذا المهر لهن من ذهب ومؤخر واثاث وغيره، او كي تضمن عدم زواجه بأخرى او الطلاق المبكر (المنتشر كثيرا) عبر تسجيل مؤخر مرتفع وكأن الرجال لن يجدوا أسلوبا آخر للطلاق او الزواج بأخرى أذا رغبوا.
ولن اتحدث عن ذلك الازعاج عبر إطلاق النار او الألعاب النارية او تلك السماعات في يوم العرس والتي لا تترك مريضا لراحته او طالبا لدراسته او صغيرا لنومه. والتي أيضا لها تكلفة مادية عالية.

ولن اتحدث عن مظاهر الصالات وما يرافقها من تعب ومشقة على الكثيرين من اهل الزوج والزوجة من الضيوف، فقط لأنها او لأنه يرغب في الزواج في صالة، والتي غالبا ما تكون مرتفعة التكاليف، ليكون الزواج له البهجة والسرور على حد زعمها (غالبا) او زعمه (نادرا).
ولن اتحدث عن عن ذلك اللبالس الذي يرافق حفلات الزواج والتي لا أصل لها ولا جذر في تاريخنا والتي كما قلت قلدنا بها غيرنا تقليدا اعمى، فارتبط الزواج والافراح بمظاهر لباس لا يليق بنا أصلا.

ولن اتحدث عن تلك الفاردة التي كما أسلفنا تعمل على ازعاج الكثير من الناس بلا داعي ولا هدف، والتي أيضا رأينا بعيننا كيف تسببت بالكثير من الحوادث التي أفجعت الكثير من العائلات، وتسببت أيضا بازمات السير الخانقة خاصة يوم الجمعة.

ولن أتحدث عن اشتراط العديد من العائلات بأن يترأس الجاهة – وفقا للعادات والتقاليد - شخصية معروفة في المجتمع ما يتطلب دعوة عدد كبير من الرجال، وبالتالي تكون الحاجة احيانا إلى استئجار قاعة تتسع لذلك العدد لتتجاوز تكلفة الجاهة وحدها، وقبل حفلتي الخطوبة والزواج (علما ان دواوين العشائر قللت من موضوع استئجار القاعات).

ولن اتحدث عن  التركيز على الكماليات التي أصبح العديدمن الناس يعتبرونها أساسية، ولم تعد تقبل الفتاة الزواج قبل تجهيز المنزل من الكماليات ورفض تأجيلها، حتى يتحسن وضع الزوج المثقل بالديون أصلا، وهنا لا نرغب بالتحدث عن المشابهة بين البنات خاصة فيما يخص صالة العرس وكمية الذهب والفساتين الغالية وتوافر الأجهزة الكهربائية الحديثة، واسبوع العسل، والاشتراط بان يكون البيت خاصة مستقل (حيث ان البيت المستقل ليس سهلا شراءه او استئجاره او بنائه)، حتى وصلت ببعض البنات أن تطلب من الزوج ان يسكن بالقرب من بيت أهلها بعيدا عن اهله

لكن  سأتحدث عن امر واحد فقط لا غير، وهو المودة والرحمة بين الزوجين والعائلتين، فلم أذكر يوما انه تم الحديث عنها. ومن أين سيأتي الوقت للتفكير بالمودة والرحمة والنظرة للزواج على انه مصاريف يجب أن ينفقها الشاب على الفتاة ليظهر أنه يحبها.
ومن أين ستأتي المودة والرحمة واهل الفتاة يغالون بالمهور ناسين او متناسين ( أقلهن مهورا أكثرهن بركة). وانا شخصيا استنتج من هذا الحديث انه من ارتفعت مهورهن فهن قليلات البركة.

ومن اين ستاتي المودة والرحمة والبركة والشاب يبحث عن راتب الفتاة الموظفة أو التخصص الجامعي المناسب او الجمال فقط ناسيا قوله () (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك).

ومن أين ستاتي المودة والطمانينة ونحن نتناسى او ننسى (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه).

لقد راينا من المشاهير العالميين والشهيرات العالميات في الغرب أن زواجهم كان بلا أي صوت او خبر او اعلان، فلماذا لا نقلد هؤلاء ونحن نقلد لباسهم ولباسهن، ووكلامهم وكلامهن، وتسريحتهن وحلاقتهم، وهنا يأتي التقليد الاعمى، فنحن نقتبس السيء منهم ونبتعد عن الجيد

في مقالة حول العزوف عن الزواج في الأردن، يذكر الكاتب ان أبرز أسباب العزوف عن الزواج العاملان الاقتصادي والاجتماعي، وهيمنة الثقافة الفردية على الثقافة الاجتماعية، والخوف من تبعات الزواج، وعدم الرغبة بتحمل المسؤولية. وان نسبة غير المتزوجين في الأردن وصلت إلى 45 بالمائة.

وأيضا يقول كاتب  اخر أن  تكاليف الزواج تغلق باب النكاح وتفتح الباب على مصراعيه للفساد"، وبينما يلجأ الشباب من ذوي الدخل المحدود للديون استكمالا لمتطلبات الزواج، يعزف آخرون عن الزواج كردة فعل على مشاهداتهم لنماذج من أصدقائهم المتزوجين ممن أمضوا سنوات في سداد الديون المترتبة عليهم جراء مظاهر احتفالية تليق بالمستوى الإجتماعي للعائلتين، وتظهرهما بالصورة اللائقة أمام المجتمع بحيث يكون ضحيتها في الغالب الشاب المقبل على الزواج.

في إحصائية قديمة نسيبا عام 2005،  تذكر أن متوسط عمر العزوبية وقت الزواج ارتفع بصورة ملموسة للذكور والإناث على حد سواء، فبينما كان متوسط عمر العزوبية وقت الزواج للذكور 26 عاماً في عام 1979 ارتفع في 2002 ثلاث سنوات ليصل إلى 29 عامأما متوسط عمر العزوبية بالنسبة للإناث ارتفع بمعدل 6 سنوات حيث كان متوسط عمر العزوبية وقت الزواج في عام 1979 (21 عاماً)، ووصل في عام 2002 إلى27 عاماً.

أخيرا لن ننظر للنصف الفارغ من الكأس، فهناك الكثير ممن يبتعدون عن تلك الكماليات والتكاليف متوكلين على الله، حيث يوفرون الستر لأبنائهم وبناتهم، قبل ان يفكروا بتوفير الكماليات والحفلات وغيرها مما لا أصل له ولا جذر الا في عادات دخلت علينا لتصبح قانونا يحكمنا.


تعليقات