كيف ماتت بائعة الكبريت برداً أم حزناً !
بائعة الكبريت في الحقيقة لم تكن طفلة ، وهي لم تمت من البرد كما أخبروكم ولم تكن فقيرة . بل كانت مراهقة جميلة جدا ، وجسدها فاتن ، وكانت تملك الكثير من الأموال .
تخرج الى الشارع ضاحكة كل صباح؛ ترتدي افخم الملابس من ديور وبرادا ؛ والعطر من قوتشي والحقيبة شانيل .
وكانت ترجع الى المنزل بعد يوم مترف جداً فيستقبلها 15 خادما ومدير اعمال و 3 طباخين . وتجلس الى السفرة لتأكل بملاعق مذهبة وامامها 43 صنفاً . ثم تذهب الى غرفتها وتغلق الباب لتقرأ . باختصار كانت حياتها سعيدةً جداً .
ما حدث أنها ذات يومٍ أوقعت حقيبتها الشانيل فتبعثرت ادواتها الباهظة على الشارع ؛ ولما أحنت ظهرها لالتقاطها في نفس اللحظة او قبلها بثوانٍ التقطهم شاب طويل وجذاب كان يمر جنبها . نسيت بائعة الكبريت مستحضرات التجميل من ماركة كلارنس التي وقعت على الأرض وربما تحطمت ؛ ونسيت كيف اصطدمت بذاك الشاب ونسيت أصلاً لما هي هناك ! لكنها أحبت عينيه .
كان ذاك الشاب فقير ، لكن ضحكته تشل . كان فقير وهي غنية . كان فقير وهي عشقت عينيه .
وكانا بشهر شباط ؛ وكانت السماء هادئة لكن الارض تكسوها الثلوج .
وبعد دقيقة و52 ثانية و 1 على عشرة جزء من الثانية خرجة بائعة الكبريت من حالة ذهولها بعينيه وحاولت التعبير عن امتنانها . قالت: " كيف يمكنني ان اشكرك ؟ "
ضحك الشاب الوسيم وقال لها : " تملكين عود ثقاب ؟ "
استغربت بائعة الكبريت ولم تتكلم لكنه اضاف : " اريد ان اشعل المدفئة ! " .
مشى من امامها ومشت من امامه وافترقا .
هو عاد لحياته البائسة ربما ؛ وهي عادت لطاقم خدمها وعامليها والملاعق المذهبة و.. الكتب !
لم تستطع بائعة الكبريت النوم تلك الليلة ؛ وكانت تتقلب من جهة لاخرى : " لماذا لم يكن معي عود ثقاب ! ترى كيف سيشعل المدفئة ! "
في الصباح لم تستيقظ بائعة الكبريت نشيطة ولم تحب أن تركض في الشارع ؛ لم ترغب بأن يعاكسها الهواء وتسخر منه ، للمرة الاولى لم تشعر أنها فاتنة وجميلة .
كأن ذاك الشاب كان رسالة وجودية ؛ كأنه تذكير بشيء ما ؛ جاء ليقول شيئا ويختفي ؛ جاء ليخبرها فقط أنها ليست ولن تكون سعيدة . وكأن الكتب التي كانت تقرأها لم تبصر فيها حالة عشق صادقة كما حصل معها . وكأنها لم ترى شيئا من الوجوه الا وجهه . وكأنها لك تعرف غيره .
مضى اول يوم وثاني يوم وثالث شهر ؛ مضى خمسة اشهر وتسعة اشهر ومضى عام ؛ ذهب شباط واتى اذار وتموز وكانون وبائعة الكبريت على حالها كل ليلة ؛ تفكر في الشاب الجميل ؛ وتحلم به كأمل لن يتحقق .
اتى شباط مرة اخرى واثلجت السماء ؛ فتذكرت بائعة الكبريت تلك الجملة "هل تملكين عود ثقاب" وفي لحظتها قررت أن تعود لذاك المكان تحديدا ؛ ولكن هذه المرة وهي تحمل سلة من أعواد الثقاب !
فتحت باب قصرها على مصرعيه ولم تحمل حقيبتها ولم تضع العطر ؛ ولم تفكر حتى بالصعود الى غرفتها وارتداء افخم الملابس ؛ بل خرجت بسرعة واضعة عليها شال جدتها السميك مرتدية جزمة الحارس في قدميها . اهم ما في الامر انها احضرت السلة .
هي لم تتذكر ان الجو بارد جدا وانها لم ترتدي معطفها من فرو الدب ولا قبعة وقفازات جلدية . وحتى لا تتذكر امها الواقفة الى طرف الباب ان كانت نادتها ام لا ؛ ولم تعرف هل تاه عنها السائق وهو يتبعها بأمر والدها . لكنها وصلت الى المكان .
جعلت تبحث عن حلمها الضائع . جعلت تنادي : " كبريت كبريت " .. وبقيت واقفة . لكن شيئا لم يحصل ؛ وأحداً لم يأتي ؛ وشخصاً لم يلتفت .
كبريت فردٌ في السلة .. هي ذكرى عن تلك القصة .. قصة بائعة الكبريت .
بائعة الكبريت حينها لم تكن تشعر بالبرد ؛ شعورها بالحب طغى على أي شعور آخر . لكنها قررت اشعال عود ثقاب عسى ان يراه جميلُ العينين فيأتي .
اشعلت أول عود ؛ وثاني عود ؛ وثالث علبة ؛ لم يأتي !
اصابها اليأس ولفها الحزن ؛ وظنت أن حلمها قد قتل منذ زمن ؛ منذ شباط الماضي ؛ وأن أملها لن يكون .
ظلت تنادي .. كل عود بحلم ؛ تشعل عوداً وتطفئ حلم . تطفئ عودا وتشعل قهر .
لا احد في الشارع ؛ والبيت بعيد ؛ وهي لم تعد تشعر سوى بالخيبة . نفذت العيدان منها ، نفذ قلبها من الحب ؛ لم يعد هناك شيء سيدعوه ليأتي ، وقتها تذكرت انه شباط وتذكرت البرد والثلج ؛ ربما تجمدت مشاعرها قبل اطرافها ؛ ربما هدأ قلبها قبل صوتها . حينها قررت النوم على الثلج الأبيض . لم ترد أن تستيقظ من جديد . لم ترد أن تكمل في هذا العالم وهي فارغة من أعواد الثقاب . وغفت بائعة الكبريت ....
°•حبكة جديدة للقصة الأصلية للأديب الدانماركي هانس كرستيان اندرسن 💙•°
تعليقات
إرسال تعليق