كيف تحالفت وكالة الاستخبارات الأمريكية مع "كريبتو AG" لاختراق العالم

 

واشنطن العاصمة، 19 فبراير 2020في تقرير مشترك لكل من صحيفة واشنطن بوست والقناة الألمانية العامة ZDF، تم الكشف عن لقاء حاسم جرى في عام 1951 بين بوريس هاغلين، مؤسس شركة كريبتو AG السويسرية، وويليام فريدمان، خبير التشفير الأمريكي البارز والذي كان يعمل حينها ممثلاً لأجهزة الاستخبارات الأمريكية. اللقاء الذي تم في نادي كوزموس في واشنطن لم يكن لقاءً عادياً، بل كان اللبنة الأولى لما سيُعرف لاحقًا بـ"تفاهم النخبة" – اتفاق غير معلن يقضي بمنح واشنطن يدًا خفية في إدارة تقنيات التشفير العالمية.

بداية السيطرة: من فائض معدات الحرب إلى تحكم استخباراتي

تكشف وثائق شخصية محفوظة في أرشيف "ويليام فريدمان" أن العلاقة بين الطرفين تطورت مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية، في محاولة للسيطرة على مخزون فائض من أجهزة التشفير من طراز M-209 التي صمّمها هاغلين (انظر: الوثائق 1، 5، 6). الهدف كان مزدوجًا: من جهة، أرادت الولايات المتحدة منع وصول تقنيات التشفير إلى الدول غير الصديقة؛ ومن جهة أخرى، سعى هاغلين إلى حماية سوقه من الإغراق.

CX-52: سلاح مشفّر بطبقات مزدوجة

مع تطور النقاشات، ظهر على السطح طراز CX-52 المطوّر – وهو جهاز كان يمكن أن يُحدث نقلة نوعية في حماية الاتصالات. إلا أن وثيقة استخبارية صادرة عن دائرة الاستخبارات الاتصالية الأمريكية (USCID) (الوثيقة 8) خوّلت فريدمان لتقديم عرض خاص لهاغلين خلال زيارة إلى مقر "كريبتو AG" في تسوغ، سويسرا. تشير الوثائق (13، 14) إلى أن هاغلين وافق دون تردد على العرض، والذي يُعتقد أنه مثّل أول اتفاق صريح بين الشركة والاستخبارات الأمريكية لتقليص فعالية أجهزة التشفير المُباعة إلى عملاء محددين.

ورغم غياب تفاصيل دقيقة حول الكيفية التي تم بها إضعاف الجهاز، إلا أن مؤشرات قوية من أرشيف فريدمان تدعم فرضية وجود إصدارات متعددة من الكتيبات التعليمية – تُرسل بحسب "رتبة" العميل، بحيث يحصل العملاء من "الدرجة الثانية" على تعليمات تقلل فعليًا من قوة التشفير. وتشير وثائق أخرى (17، 23) إلى أن هذه المواد لم تكن كلها من داخل الشركة، بل أُرسلت أحيانًا من أطراف خارجية – وهو ما يفتح بابًا جديدًا حول شركاء غير معلنين في اللعبة.

بوابة المعلومات: نجل هاغلين وصراع المنافسة

لعب بوريس هاغلين الابن، المعروف باسم "بو"، دورًا محوريًا في تسريب معلومات عن المبيعات والاستراتيجيات التسويقية للشركة إلى الجانب الأمريكي. ومع مرور الوقت، بدأت مؤشرات التململ تظهر على الأب المؤسس، خاصة في ظل صعوبة المنافسة مع العملاق الألماني سيمنز، الذي لم يكن آنذاك فقط خصمًا تجاريًا، بل سيكون لاحقًا شريكًا في مخطط السيطرة نفسه (الوثائق 19، 20).

من شيفرات المسرح إلى أسرار المخابرات

اعتزل فريدمان العمل في 1958، لتنتقل خيوط التواصل إلى جهات أمريكية أخرى. وقد أودع فريدمان وزوجته إليزابيث – وهي بدورها من أوائل محللي الشيفرات في أمريكا والمُدرجة في قاعة الشرف التشفيرية التابعة للـNSA – مجموعتهما من الوثائق في مكتبة مؤسسة جورج سي مارشال.

المفاجأة جاءت حين اكتشف الكاتب جيمس بامفورد هذه المجموعة أثناء بحثه لكتابه الشهير Puzzle Palace عام 1982. حينها سارع المسؤولون إلى إعادة تصنيف الوثائق وفقًا للمرسوم الرئاسي EO 12356، معتبرين أن الإفراج عنها تم "عن طريق الخطأ". إلا أن الدعوى القضائية التي رفعتها جمعية المكتبات الأمريكية للطعن في هذا القرار باءت بالفشل، وأُعيد لاحقًا نشر الوثائق من خلال كل من مؤسسة جورج سي مارشال ووكالة الأمن القومي.

تعليقات