يعد تأخير صرف رواتب الموظفين هو من أبرز الإشكاليات التي تواجه القوى العاملة في العديد من الدول العربية وهو أمر لا يؤثر فقط على الوضع المالي للموظف بل يتعداه ليخلق مشكلات نفسية وأسرية ومهنية ويزعزع ثقة العامل بمؤسسته وبيئة عمله حيث يتوقع الموظف نهاية كل شهر أن يتسلم أجره مقابل الجهد الذي بذله خلال أيام العمل المتواصلة ولكن عندما يتم تأخير الراتب دون مبرر أو بسبب سوء إدارة مالية فإن ذلك ينعكس سلبًا على حياته اليومية واستقراره الوظيفي
في الأردن تؤكد وزارة العمل أن تأخير صرف الرواتب أكثر من أسبوع هو مخالفة صريحة يحق للموظف التبليغ عنها وتقوم الجهات المختصة بفتح ملف شكوى والتفتيش على مكان العمل وقد صرّح وزير العمل الأسبق سمير مراد أن دفع الأجور حق أساسي ولا يحق لصاحب العمل التهاون به تحت أي ظرف كما أن بعض الجهات الحكومية تراقب بشكل دوري التزام المؤسسات بدفع الرواتب في وقتها وتفرض عقوبات تبدأ بالإنذار وقد تصل إلى إغلاق المنشأة في حال التكرار
في السعودية يُعد صرف الرواتب في موعدها التزامًا أساسيًا على صاحب العمل ويُعتبر التأخير مخالفة تستوجب التدخل وفقًا لنظام "حماية الأجور" حيث تفرض وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية رقابة رقمية على تسليم الأجور وفي حال تأخر الراتب أكثر من فترة محددة يتم إنذار المؤسسة وتغريمها وقد يتم إيقاف خدماتها حتى تُسوى المشكلة ويحق للموظف التقدم بشكوى عبر القنوات الرسمية التي تتيحها الوزارة ومنها المنصة الإلكترونية والمحاكم العمالية المتخصصة
وفي دولة الإمارات تُلزم القوانين أصحاب العمل بصرف الرواتب خلال 15 يومًا من تاريخ الاستحقاق وإذا تجاوزت المنشأة هذا الحد تُعتبر في وضع متأخر وقد تُفرض عليها جزاءات قانونية وتُوضع على القائمة السوداء في بعض الحالات الخطيرة وتتم مراقبة المؤسسات من خلال "نظام حماية الأجور" بالتعاون مع المصرف المركزي الإماراتي وذلك لضمان حقوق العاملين في جميع القطاعات الخاصة
أما من ناحية الأثر النفسي والاجتماعي فإن تأخير الراتب قد يدفع الموظف إلى الاستدانة لتغطية حاجاته الأساسية ويؤثر على استقراره الأسري ويضعه في ضغط دائم الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض في إنتاجيته وفقدان ولائه للمؤسسة وقد أظهرت بعض الدراسات أن استمرار مثل هذه الممارسات يخلق بيئة عمل غير مستقرة ويؤدي إلى تفشي ظاهرة التسرب الوظيفي والاحتراق المهني في صفوف العاملين
وتشير شهادات حية لموظفين في القطاع الخاص إلى أن بعض المؤسسات تتعمد تأخير صرف الأجور لأشهر بحجة الظروف المالية أو تأخر الدفعات من العملاء الأمر الذي يضع الموظف في معاناة يومية بين التزاماته الأسرية وحقوقه القانونية ومع غياب النقابات الفاعلة في بعض البلدان يجد الموظف نفسه وحيدًا في مواجهة تعسف إداري لا يحميه منه سوى اللجوء للقضاء أو تقديم الشكاوى الرسمية.
من الناحية الدينية والإنسانية فإن تأخير الرواتب دون مبرر يُعد ظلمًا واضحًا حيث ورد في الحديث الشريف أن "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه" وهو توجيه نبوي يوضح أهمية تسليم الأجور فورًا دون مماطلة لما في ذلك من احترام لكرامة الإنسان وجهده ووقته وقد أفتى علماء كثر بحرمة تأخير أجور العاملين ووجوب دفعها في وقتها
وفي ظل التحديات الاقتصادية التي تمر بها العديد من الدول تبقى مسألة انتظام الرواتب أحد مؤشرات الالتزام المؤسسي واحترام الحقوق العمالية ولا بد من تكاتف الجهود بين الحكومات والنقابات وأصحاب العمل لضمان بيئة عمل عادلة تحفظ كرامة الإنسان وتكافئه على ما يقدمه من جهد
المصادر:
- موقع سرايا نيوز حول حقوق الموظف في الأردن: https://www.sarayanews.com/article/530309
- موقع رؤيا الإخباري - تصريح وزير العمل الأردني: https://royanews.tv/news/174070
- صحيفة الرأي - أثر تأخير الراتب على الموظف الأردني: https://alrai.com/article/10473752
- منصة صبّار - السعودية - نظام حماية الأجور: https://sabbar.com/blog/delaying-an-employees-salary
- موقع خدمات قانونية إماراتي حول تأخير الرواتب: https://legal-services-uae.com/ar/blog/تأخير-الرواتب-في-الامارات
- فتوى موقع الإسلام سؤال وجواب: https://islamqa.info/ar/answers/60407
تعليقات
إرسال تعليق